في وداع زياد رحباني
جهاد عيسى
في غياب زياد رحباني، لا يغيب فقط ملح الموسيقى، بل تغيب ضوضاء الفكر الهادئ، تغيب اللغة حين كانت تتأمل نفسها على نغم، وتغيب البلاد حين كانت تحاول أن تحلم برفقة ناي وكلمة.
زياد، الذي كتب لبناناً وفلسطيناً بلحنٍ لا يتقن الزيف، كان يحفر فينا بصوته الداخلي حين تصدح أمه فيروز:
“سنرجع يوماً”…
لم تكن فقط أغنية، بل نبوءة نردّدها عند جذع الزيتون، تحت المطر، في مخيم، أو على أطراف حلم مهجور.
كانت أغانيه، مثل “رجعت الشتوية”، ترتّب العودة في قلوبنا، تُشعل في الثلج دفء الانتظار، وتجعل من الغياب طقساً يُحْتمل، لا يُنسى.
زياد كان يعزف وطنًا لا تُقاس مساحته بالجغرافيا، بل بمقدار ما يهزّ القلب ويغني الحنين.
مع كل نوتة كان يصالحنا مع لحظة البكاء، يربّت على روح فلسطين، ويقول لها: “ما زلنا هنا، نراكِ، نكتبكِ، نغنّيكِ”.
فيروز كانت تهمس، وزياد كان يكتب لها هذا الهمس نغماً…
وفي المسافة بين اللحن والصوت، كانت فلسطين تتنفس.
غيابه ليس غياباً، بل وقفة صمت طويلة…
بانتظار أن يكتمل اللحن الأخير.
وداعاً زياد