قلبٌ في مخيم
جهاد عيسى
وُلِدت في رُكنٍ صغير من هذا الكون، ركنٍ تَكدّس فيه القهر حتى صار ملمحًا من ملامح الحيطان. بيتٌ في مخيم، لا يملك نوافذ واسعة، لكنه كان يفتح لي أبوابًا على فكرة الوطن، على الحلم، على ما هو أبعد من حدود الطين والصفيح.
كان المخيم أكثر من مكان… كان حالة من الوعي المبكر، ومرآة عاكسة للروح في أشد لحظات انكسارها وسموّها. كانت الحارات كأزقة الروح، تتداخل فيها أصوات الأذان وموسيقى مارسيل، وتتعانق جدرانها بأقلام الأطفال المشتاقة لوطن لم تلمسه أقدامهم، لكنها خُطّت في ذاكرتهم كقنديل لا ينطفئ.

هُناك، لم يكن الجمال ترفًا، بل ضرورة. كان يُزرع على أطراف الليمون، يتدلّى من أغصان العنب، ويُخبّأ في خطوط تطريزٍ على ثوب امرأة تمر كل صباح.
الآن، بعدما ابتلع الدخان معالم الأمكنة، ولم يبقَ من المخيم سوى طيفه في القلب، صارت الأسئلة أثقل: كيف تُمحى الجغرافيا ويبقى الحنين؟ كيف يُدفن البيت ويبقى الشباك مفتوحًا في ذاكرتي؟
كل ما قُتل خارجنا، يُبعث في داخلنا بصيغة أعمق.
الحارة التي أُبيدت لم تختفِ، بل تحوّلت إلى فكرة، إلى رمز، إلى بوصلة…
وطن الشهداء لم يمت، لأنه صار فينا… يسكن اللغة، الحنين، وفي كل نبضة مقاومة صامتة.
ذاك المخيم لم يكن مجرّد مكان، بل كان أول درس في أن تكون إنسانًا في عالم يُصادر إنسانيتك.